؛"شو شكل الشعور؟" يسألني الرجل الجالس أمامي، ينظر إليّ، أمامه ورقة بيضاء، وفي يده قلم حبر جاف.
أجيبه.. "شو يعني؟" 
يوضّح: "لو كان لهذا الشعور شكل، فكيف سيكون شكله؟"..

أنقل نظري خلفه، أسرح حولي.. أتذكر كيف لهذا الشعور أن يتشكّل داخلي، من أين يبدأ وكيف يتكوّن؟ إن كانَ يجرح
القلب فهو شيءٌ حاد. إن كنت أسهر الليل وأنسى معه خفّة الوقت فهو شيءٌ مظلم. إن كان يجعلني أبتسم بلا تردد فهو 
شيءٌ مشرق. إن كان يغيّبني في سكوتي فقد يكون جداراً أبيض، أو جداراً بلا لون. إن كان يجعلني أتّزن فهو شجرة
خضراء كبيرة وبعيدة. إن كان يبعث فيّ الأمل فهو دربٌ طويل. إن كان يشعرني بالأمان فهو معطف
أكبر من مقاسي، داكن ودافئ... 

أظن أن الأشكال تحمل مشاعرها حولنا. أو لعلّها تحمل مشاعرنا داخلها. لهذا السبب منظر الكتب المصفوفة على
رفوفها وهي صامتة تبعث فيّ الانتماء، لطالما كنت أحب أكون كلاماً مغلّفاً أو سراً مكتوباً وسط زحام اللغو والكلام.؛ 
لطالما أحببت أن أكون عنواناً بارزاً يخفي أحجياته الخاصة. أظنني أصبحتُ كذلك، حتى غرقت في سطوة الصمت
والاختباء وتحولَتِ الرغبة فوقي إلى سحابة ضخمة منهمرة، ثم تحولتُ أنا إلى محيطٍ أزرق.
هل أبدو كمحيطٍ أزرقَ وضخم؟ 

لا أدري.. هل يُشكّلني الشعور؟ هل يشكّلني مزاجي؟ إن كان كذلك فسيبدو مثيراً لو أني خمنت أشكال الناس في
وجوهها وإيماءاتها. بستان أخضر.. نهر هادئ.. كهرباء لاسعة.. مكبّر صوت.. سحابة عابرة.. جبل شاهق.. كوخ مليء 
بالسواد.. زهرة ذابلة.. أظنه يشبه أناساً أعرفهم جيداً. 

تنتهي الضجة ويتّسع الفراغ داخلي. ألمس قلبي وأحسّه لا شيء. دوامة الأشكال انتهت، ولم تعطني خياراتها الكافية.
إلّا أن شكلاً واحداً ظلّ عالقاً في قلبي. أعرفه وأتذكره جيداً. ليسَ له لون لكنه يجيد إدماء اللحظة.. إدماء الشعور. 

أعود للسيد الذي أمامي، .. أبتسم وأخبره: زجاج. 
يتأكد: زجاج؟
أجيبه: زجاج مكسور.